الاقتصاد الأزرق في المغرب: بين الوعود التنموية والانعكاسات الاجتماعية والبيئية

أطلق المغرب “مخطط المغرب الأزرق” كاستراتيجية تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأزرق عبر استغلال الموارد البحرية والساحلية لتحقيق التنمية الاقتصادية. و قد تم الترويج لهذه الخطة كوسيلة لتعزيز الاستدامة وحماية النظم البيئية البحرية، ولكنها أثارت انتقادات واسعة بسبب تأثيراتها الاجتماعية والبيئية السلبية. في هذا التقرير، نستعرض أهم المشاكل والسلبيات الناتجة عن هذا المخطط، ونقترح بدائل مستدامة مستوحاة من تجارب دولية ناجحة.

 المشاكل والسلبيات

1. تفاقم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية

– تمحورت المشاريع الكبرى حول استغلال الموارد البحرية من قبل شركات دولية أو وطنية كبرى، مما همش الصيادين التقليديين.
– تركز الاستثمارات في مناطق محددة، مما حرم المجتمعات الساحلية الفقيرة من الفوائد الاقتصادية للمخطط.
– أدت سياسات الخصخصة في بعض المناطق الساحلية إلى تهجير مجتمعات محلية واعتمادها على أنشطة غير مستدامة.

2. التدهور البيئي البحري

– الإفراط في الصيد باستخدام تقنيات مدمرة مثل الصيد الجائر وشباك الجر أدى إلى تدهور التنوع البيولوجي البحري.
– تلوث البحار بسبب مشاريع صناعية كبرى وموانئ عملاقة أثر سلبًا على صحة النظم البيئية البحرية.
– البناء العشوائي على السواحل لأغراض سياحية أو اقتصادية تسبب في تآكل الشواطئ وتدمير الموارد الطبيعية.

3. ضعف حماية المجتمعات البحرية

– لم يتضمن المخطط دعمًا كافيًا للصيادين التقليديين الذين يشكلون العمود الفقري للمجتمعات الساحلية.
– غياب سياسات واضحة لتحسين ظروف العمل والمعيشة للصيادين، بما في ذلك الصحة والسلامة المهنية.
– تجاهل الدور الحيوي للمرأة في المجتمعات الساحلية أدى إلى استمرار تهميشها اقتصاديًا واجتماعيًا.

4. عدم تحقيق الاستدامة الاقتصادية

– الاعتماد الكبير على الأنشطة البحرية التصديرية، مثل تربية الأحياء المائية والصيد الصناعي، جعل الاقتصاد المحلي عرضة لتقلبات السوق العالمية.
– تجاهل تنمية الصناعات الصغيرة المرتبطة بالاقتصاد الأزرق أدى إلى فقدان فرص تنموية مستدامة للمجتمعات المحلية.
– ضعف الرقابة على أنشطة الاستثمار البحري فتح الباب أمام الاستغلال المفرط للموارد.

 البدائل المقترحة

1. تمكين المجتمعات المحلية الساحلية

– إشراك المجتمعات الساحلية في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة الموارد البحرية لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية. في تشيلي مثلا، أُنشئت مناطق إدارة محلية للصيد (TURFs) حيث يشارك الصيادون في إدارة الموارد البحرية وتحقيق التوازن بين الاستغلال والحفاظ.
– تقديم دعم مالي وتقني للصيادين التقليديين لتحسين تقنيات الصيد وزيادة الإنتاجية، مثلا حكومة الفلبين، أطلقت برامج دعم للصيادين المحليين مع تدريبهم على تقنيات صيد مستدامة.
– تعزيز دور التعاونيات المحلية في تسويق المنتجات البحرية وتوفير الحماية الاجتماعية، على سبيل المثال التعاونيات البحرية في النرويج توفر الحماية الاجتماعية للصيادين وتسهل تسويق منتجاتهم.

2. تعزيز الحماية البيئية البحرية

– إنشاء محميات بحرية لحماية التنوع البيولوجي والحد من التأثيرات السلبية للصيد الجائر، في أستراليا، تُدار شبكة واسعة من المحميات البحرية ضمن إطار خطة الحاجز المرجاني العظيم.
– تطبيق قوانين صارمة ضد الأنشطة الملوثة للبيئة البحرية مع تعزيز الرقابة على الصناعات البحرية، كما الشأن في الاتحاد الأوروبي يطبق توجيهات صارمة للحد من التلوث البحري وحماية النظم البيئية الساحلية.
– تشجيع السياحة البيئية المستدامة بدلًا من المشاريع السياحية الضخمة، في كوستاريكا، تُركز برامج السياحة على حماية البيئة البحرية وجذب السياح بطريقة مستدامة.

3. تعزيز التنويع الاقتصادي المحلي

– تنمية الصناعات الصغيرة القائمة على الموارد البحرية، مثل تصنيع المنتجات البحرية أو استخراج المواد الطبية من الكائنات البحرية، مثلا في اليابان، تُستخدم الطحالب البحرية لإنتاج منتجات غذائية وأدوية، مما يدعم الاقتصاد المحلي.
– الاستثمار في الطاقات المتجددة البحرية مثل طاقة الرياح والأمواج لضمان تنمية اقتصادية مستدامة، في الدنمارك، تُعد مشاريع طاقة الرياح البحرية نموذجًا رائدًا في استخدام الموارد البحرية المستدامة.
– تطوير البنية التحتية لدعم التجارة البحرية المحلية بدلًا من التركيز على التصدير فقط، في إندونيسيا، تم تحسين البنية التحتية البحرية لدعم الصيد المحلي والنقل الداخلي.

4. تعزيز البحث العلمي والمراقبة البيئية

– تخصيص ميزانية للبحث العلمي لدراسة تأثير الأنشطة البحرية على البيئة واقتراح حلول مبتكرة، في الولايات المتحدة، يدعم برنامج “Sea Grant” البحث العلمي حول القضايا البحرية.
– تعزيز نظم المراقبة البيئية باستخدام التكنولوجيا لرصد التغيرات في النظم البحرية والتدخل في الوقت المناسب. النرويج تستخدم نظم مراقبة متقدمة لرصد التنوع البيولوجي وجودة المياه في بحر الشمال.
– توفير منصات للتعاون بين العلماء والمجتمعات المحلية لنقل المعرفة وتعزيز إدارة الموارد، في كندا، يعمل العلماء مع مجتمعات السكان الأصليين لإدارة الموارد البحرية بشكل مشترك.

مخطط المغرب الأزرق، رغم وعوده الكبيرة، أظهر انحيازًا نحو الشركات الكبرى وتجاهلًا للمجتمعات المحلية والبيئة. لتحقيق تنمية مستدامة وعدالة اجتماعية، يجب تبني سياسات أكثر شمولًا ومرتكزة على احتياجات السكان المحليين وحماية البيئة البحرية. إن الاقتصاد الأزرق لا يمكن أن يكون وسيلة للربح فقط، بل يجب أن يكون أداة لتحقيق العدالة البيئية والاجتماعية.

ع.ع